التنمر الإلكتروني بين نقرة وحياة
التصنيف | مقالات وتدوينات |
وقت النشر |
2020/07/07
|
الردود |
0
|
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبهِ أجمعين، أما بعد: في طور الانصهار في بوتقة المعلوماتية، غزت التقنية عالمنا الحالي، فأصبح العالمُ قريةً صغيرةً يمكن إيصال كافة أطرافها خلال بُرهة من الزمن، ونتيجةً لتطور هذه التقنية وما صاحبها من إيجابيات، كان لا بد أن يكون في المقابل والجهة الأخرى من ميزان التقدم وجود سلبيات جمّة كامنة في قيام نوع مستحدَثٍ من التنمر، يسمَّى بالتنمر الإلكتروني، معلنًا ظهورًا مغايرًا لللتنمر التقليدي المتعارف عليه، وتفشى هذا الوباء التقني حتى بلغ أن 18٪ من الأطفال والمراهقين حول العالم قد تعرضوا للتنمر الإلكتروني، فهو تعمد إيذاء الآخرين بطريقة متكررة وعدائية عن طريق استخدام الانترنت، وقد تكون بضع دقائق من تجرّعه تخلّف آثارًا لا يشفى منها المرء ونفوسًا محطمة، وربما سمعةً مشوهة، فهل لنا سبيل للخلاص منه؟ ولمعرفة ذلك ينبغي علينا توعية الأشخاص منه لا سيما الأطفال فهم الأكثر عُرضةً له، وهنا تقع مسؤولية ذويهم في حمايتهم وتوعيتهم، ولا شك أن التنمر الإلكتروني تتعدد صوره إما بنشر الرسائل، التهديد، انتحال الشخصية، الابتزاز، وممارسة السخرية، حتى أن مجرد تأييد الآخرين في ممارستهم لهذا الفعل الدنيء يعد تنمرًا يرافق صاحبه، وكل فعلٍ لا بد أن يرافقه سبب فما السبب الكامن الذي يدفع شخصًا لتعمد الإيذاء؟ مثل بعض الأطفال يشكو جانب نقص فيه، فيلجأ للتنمر حتى يملأ هذه الفجوة ظنًا منه بأنها عملية تعويضية، مخلفًا وراءه فجوة أيضًا في شخص التنمر عليه، أو الرغبة في الشعور بالسيطرة فالبعض يستمتع برؤية طرف آخر خاضعٌ له، والتنمر وسيلة بالنسبة له لأداء ذلك لأن المتنمر عليه يقف خلف رداء الخنوع، أيضًا قد يكون المُتنمر ضحيةٌ لشخص آخر فيولد في داخله شعور بتجربة شخص آخر ما قاساه، أو تكون الغيرة هي الدافع الأساسي لتنمره. فتتعدد الأسباب ولكن النتيجة واحدة، وينبغي على الوالدين مراقبة أبنائهم واستشعار أي تغيير يطرأ عليهم فقد يكونوا ضحايا للتنمر، ولا يجدون مفرًا، فمن العلامات التي تظهر وينبغي التوقف والتحقق منها هي شعور الطفل بالقلق دائمًا خاصةً عند استخدامه للأجهزة الإلكترونية، أو عدم رغبته في استخدامها، وقد تظهر عليه بعض علامات الاكتئاب، فقد الشهية، قلة النوم، أو ينكفئ على نفسه ويتجنب المواقف الاجتماعية وربما يتراجع مستواه الدراسي، فكل هذه دلالات ولكن يجب على ذويه أولاً أن يعززوا سبل الدعم والمساندة لأطفالهم ويكونوا بالقُرب منهم، حتى لا يشعر الطفل بخوفٍ من الحديث معهم، وبالتالي تُحل المشكلة منذ بذرة نشوئها، فالطفل الذي لا يخاف الحديث مع والديه يكون أكثر شجاعةً لمواجهة التنمر، وحتى لا تقع في بؤرة التنمر يجب عليك المحافظة على معلوماتك الشخصية والابتعاد عن مشاركتها للعامة، وعدم الدخول للمواقع المشبوهة، بالإضافة إلى تفعيل نظم الحماية، وفي حالة التعرض له واقعيًا فينبغي عدم التجاوب مع المتنمر والتبليغ عنه في تطبيق "كلنا أمن" أو خط مساندة الطفل، أيضًا لا تقم بنشر ما تتوقع أن يؤذيك يومًا ما، وقد تُبتز به. ختامًا شيوع التنمر الإلكتروني في الآونة الأخيرة، ما هو إلا تفشي لوباء تقني حقيقي ينبغي التصدي له بكل الوسائل ابتداءً من الأفراد وإبلاغهم عن المتنمرين، وصولاً للتوعية الوقائية ضد التنمر الإلكتروني، وقد تكون بدايتها نقرةً ونهايتها إنهاء حياة، ويترك أثره في قلب شخص يتعذب وقتًا طويلاً بسبب جملة أخلدها في ذاكرته شخصٌ عديم الضمير، والقانون مرآة مجتمعنا ومقياس تطورنا وبه تم فرض عقوبة رادعة للمتنمر، حتى نحمي مجتمعًا ونقوّم أنفسًا، ولكن فئة من البشر يحاولون التسلل لإيذاء غيرهم ولذلك قام القانون، ونحن بدورنا يجب أن نحقق ثورة ضد التنمر الإلكتروني حمايةً لذواتنا وأطفالنا والأجيال القادمة. سارة محمد القرشي
التعليقات (0)
لم يتم إضافة ردود حتى الآن...