التنمر الإلكتروني بين الأسباب والعلاج
التصنيف | مقالات وتدوينات |
وقت النشر |
2020/07/14
|
الردود |
0
|
في ظل هذا التطور السريع والهائل للتقنيات الحديثة المنتشرة بين أبناء المجتمع، والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ منه ، انتشرت ظاهرة ما يُعرف (بالتنمر الإلكتروني) والتي أخذت حيزاً واسعاً جداً وما نتج عنها من آثارٍ وأضرارٍ على المجتمع، ونتيجةً لذلك كُتبت الرسائل والبحوث والمقالات، وأبدى أصحاب الاختصاص رأيهم فيها، إضافة إلى الدورات التثقيفية التي تقوم بها الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، إذ لعلها ساهمت ولو بشيءٍ في الحدِّ من عواقب هذه الظاهرة.
فوقفتُ هنا موقف الحائر بين كل ما كُتب وقيل، وسألتُ نفسي ما هو الشيء الذي يمكن أن أضيفه؟؟!! وبتوفيق من الله عزو جل وتسديده ومنّه أخترت أَن أكون قائداً وأثبت وجودي وأترك أثرا طيباً ولو بالشيء القليل وأساهم في تغيير هذا الواقع المرير واقع التنمر الإلكتروني، وأحاول أكون مؤثراً في الآخرين ايجابيا وبأيِ قدرٍ ممكن.
سائلاً الله عزَّ وجلَّ أن يتقبل هذا القليل بكرمه إنَّه سميعُ الدعاء ...
أولًا: تعريفُ التنمر الإلكتروني:
عُرف عدة تعاريف ووجدت أشملها ((هو استغلال وسائل التواصل الاجتماعي وكل ما يتعلق ويرتبط بها من أجل إيقاع وإلحاق الأذى بالآخرين بسلوك عدواني غير مرغوب به))
وقد حرَّم الإسلام الأذى بكُلَّ أشكاله ولو بكلمة أو نظرة سواء في الكتاب العزيز أم السنّة النّبوية المباركة، ففي الكتاب كما في قوله تعالى {...وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، وقوله تعالى في سورة الهُمزة {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]
وفي السنة المباركة كما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه الإمام مالك في الموطأ
ثانيًا: الفرق بين التنمر العادي والتنمر الإلكتروني
التنمر العادي:
1. يشتمل على الإيذاء الجسدي كالضرب.
2. يمكن للشخص معرفة من قام بالتنمر عليه لحدوده الصغيرة
3. يرتبط التنمر العادي بالفعل فاذا انتهى الفعل انتهى التنمر، ولا يبقى منه إلا الأثر السيئ على الضحية.
4. يُشترط لحدوثه التفكير والتخطيط واختيار المكان والوقت المناسبين.
5. يُشترط فيه التكرار حتى يُعرف أنه تنمر، وإلا قد يكون المقابل غير قاصد.
6. يعرفه الضحية مباشرةً؛ لأنَّه يحصل وجهاً لوجه.
التنمر الإلكتروني:
1. لا يشمل الإيذاء الجسدي مباشرة، ولكنَّه قد يتطور فيؤدي إليه.
2. من النادر أن يعرف الضحية كُلَّ مَن قام بالتنمر عليه؛ لأنَّه ليس له حدود، وينتشر بسرعة كبيرة.
3. ليس له وقتٌ معين ينتهي به؛ لأنَّ مادته موجودة في كل مكان على الانترنت.
4. لا يُشترط لحدوثه التخطيط المسبق؛ لأنَّ الشخص المتنمَر عليه لا يُفكر بالنتائج لاحقاً وذلك لسهولة القيام به.
5. لا يُشترط فيه التكرار؛ لأنَّه سيأخذ مدىً أوسعُ تلقائياً.
6. قد يعلم الآخرون به قبل الضحية، وبذلك عليه التعامل مع أمرين: التنمرُ والآثار التي ترتبت عليه دون علمه.
ثالثًا: صور التنمر الإلكتروني:
ونتيجة لاتساع وتطور وسائل التواصل الاجتماعي وما يتعلق بها، اتسعت بالمقابل دائرة التنمر الإلكتروني إلى عدة أشكال وصور عديدة منها:
1. الرسائل المجهولة التي تصل عبر البريد الإلكتروني، أو إلى الحساب الشخصي على تطبيق معين والتي تتضمن الاستهزاء أو التهديد.
2.نشر صورة خاصة أو مقطع فيديو والبدء بالتعليقات اللاأخلاقية، وتداولها بين أوساط المجتمع.
3. المُزاح الزائد عن حدِّه على مواقع التواصل، والاستهزاء، وتناول مواضيع خاصة (كالأعراض) والسب فيها، والاستهزاء بها بحُجة المُزاح ، وقد حرَّم الإسلام ذلك ونهى عنه سواء في الكتاب أم السنة النبوية المباركة ، ففي الكتاب كما في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [سورة النور : 23 ]
وفي السنة المباركة كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ألا اخبركم بالذي أشد من الزنا ، وقع الرجل في عرض أخيه) مصادقة الإخوان للصدوق : 1/76
ويقول الشاعر أيضاً بهذا الصدد : واجتنب الفحش وقول البذاء
فإنه منطق أهل الشقاء ..
4. فعل الأشياء من غير إذن المقابل (كالتصوير، أو تسجيل صفحة على مواقع التواصل، بل حتى كتابة منشورات ومقالات باسمه، ووضع الألفاظ اللاأخلاقية والتهكمية فيها، وكُلُّه بدون علمه وإذنه)
5. ومن أقبح، أشكال التنمر الاستهزاء بخلقة الأشخاص، واختلاق العيوب فيهم، بل حتى الاستهزاء بمن أُصيب بمرض، لدرجةٍ تُوصل الضحية إلى أن يكره اليوم الذي ولد فيه والعياذ بالله..
رابعاً: أسباب التنمر الإلكتروني:
تذكر الدراسات والأبحاث، وكذا الأطباء النفسيين، وما توصلتُ إليه من خلال ما كُتب عن التنمر أنَّ الأسباب الرئيسية له هي:
1. العامل النفسي: حيث هو الذي يدفع الفرد إلى التنمر؛ لغرض تأكيد ذاته من خلال استهزائه واعتدائه على الآخرين.
فالمتنمر في حقيقة ذاته إنسان ضعيف بدليل أنَّه لا يستطيع المواجهة، ويعتقد بأسلوبه هذا أنَّه سيشعر بالقوة والامتلاك، ولكنَّه وللأسف يستعمل الطريقة الخاطئة لذلك.
2. العامل الأُسري: فهو عاملٌ مهم أيضاً، فالطفل مثلاً لو لاحظ أنَّ الأب يستخدم أسلوب القوة والعقاب والتنمر وغيرها من الأساليب السلبية سيؤدي هذا إلى تنمر الطفل أيضاً حتى يشعر بالقوة والسيطرة.
خامسًا: علاج التنمر الالكتروني:
وذلك من خلال:
1. نشر الثقافة بين أبناء المجتمع من خلال بثِّ روح المحبة والتسامح، ونبذِ كُلِّ أشكال العنف والكراهية. وهذه مسؤولية كُلِّ فردٍ من أبناء المجتمع فلا يتنصل عنها أحدٌ بحجة أنَّه غير معنيٍ بها، فالكلمة الواحدة التي تخرج منك قد تجعلك متنمراً من حيث لا تشعر.
2. مسؤولية الأسرة: فالتعلم في الصغر كالنقش على الحجر، ولا بُد للوالدين أن يكونا قدوة حسنة لأبنائهم حتى ينعكس ذلك عليهم.
3. اختيار الصديق الصدوق الذي نأخذ منه كُلَّ الصفات التي وصانا بها الدين الحنيف، ونبذ كُلِّ الصفات السلبية التي تصدر منه.
4. الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي، وكُلّ ما يتعلق بها، وأن نكون حذرين منها، ودائماً تذكر قبل أن تُرسل صورة، أو مقطع فيديو، أو حتى إبداء الإعجاب بمنشورٍ ما اسأل نفسك هل فيه ايذاء لشخصٍ معين ؟ أو فيه إهانة له؟ أو قد يُشعره بالإحباط والأذى؟ .
5. يجب أن يكون هناك دورٌ بارزٌ وفعالٌ للجمعيات، ومنظمات المجتمع المدني، والقنوات الفضائية من خلال البرامج التوعوية، والمنشورات الثقافية، وكذلك إقامة الندوات والدورات المختلفة، فلكُلِّ ما ذُكر دورٌ إيجابيٌ من أجل التقليل من آثار هذه الظاهرة.
6. تفعيلُ دور الرقابة الأمنية والسلطة القضائية على مواقع التواصل الاجتماعي، على ألاّ يُقيد ويضر بحرية التعبير.
7. استحداث مادة دراسية تُحدد مناهجها لجنةٌ مختصةٌ من خبراء بعلم النفس والقانون، تُعنى هذه المادة بالآداب العامة والسلوكيات الأخلاقية..
وفي الختام... التقنيات الحديثة التي وصلت إلينا بكُلِّ ما يتعلق بها قد حققت لنا العديد من الأمور والقفزات النوعية، وساعدت في تطور وتقدم الشعوب ولا يُمكن إنكار ذلك.
إلا أنَّه وفي نفس الوقت يجب أن نتعامل معها بحذرٍ شديد جداً، وذلك لاختلاف الأجيال وتطورها السريع والهائل من خلال دور الأسرة، والمدرسة، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام.
وعلى كُلِّ شخصٍ وقع عليه التنمر أن يحاول وبكُلِّ ما استطاع إثباتَ وجهة نظره، وأنَّه على حقٍّ فلا بُد له أن يرُد اعتباره مهما حدث.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه المنتجبين.
المراجع:
1.سيكولوجية التنمر بين النظرية والتطبيق: مسعد نجاح ابو الديار
2. بعض المتغيرات النفسية لدى ضحايا التنمر المدرسي في المرحلة الابتدائية: هالة خير سنارى اسماعيل
3. الجريمة الالكترونية ودور القانون الجنائي في الحد منها: أحمد عبد اللاه المراغي
4. مقياس السلوك التنمري للأطفال والمراهقين: د. مجدي محمد الدسوقي
5.كتيب قل لا ...للتنمر الإلكتروني: جمعية البحرين النسائية – للتنمية الانسانية
6. مقالة بعنوان شبح الشبكة العنكبوتية: بقلم أمينة حامد
Different Newsصحيفة
محمد حسون
بكالوريوس علوم اسلامية
العراق
التعليقات (0)
لم يتم إضافة ردود حتى الآن...