التنمر الالكتروني
التصنيف | مقالات وتدوينات |
وقت النشر |
2020/08/08
|
الردود |
0
|
ما الذي جعل الممثل المصري محمد ممدوح يخرج على الملأ في برنامج تلفزيوني ويعتذر؟ من هي هديل التي كانت دموعها حدثً على موقع العربية؟ هل يوجد دموع واعتذارات وخوف لا نعلم أسبابها؟ من منا لم يسمع بقصة الممثل المصري محمد ممدوح الذي تعرض لانتقادات بشأن أدائه في مسلسلي "قابيل" و"ولد الغلابة" بسبب إن مخارج الحروف غير واضحة، وصعوبة التنفس التي يعانيها بسبب زيادة وزنه، مما يؤدي أحيانا إلى صعوبة فهم ما يقوله. مما أجبر الممثل على الاعتذار للجماهير بشأن شيء ليس له دخل به؛ حيث اعتذر في برنامج تلفزيوني، قائلًا "أنا آسف" وقام زملائه بتقديم رسائل دعم له لتخطي هذه المرحلة. وايضا تلك الشابة ذات الواحد والعشرون ربيعًا هديل بنت الحي البسيط في منطقة شبرا بمصر، التي فسخ العريس الخطبة بعد مضي 24 ساعة عليها وذلك لأنه بعد أن تم نشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تفاجأت بسرعة الانتشار وردة فعل خطيبها السريعة في فسخ الخطبة، ومرت بحالة نفسية سيئة جدًّا ولازمت المنزل. ولله الحمد وجدت من وقف بجانبها ودعمها وأعاد لها ثقتها بنفسها. هل هذه في رأيكم انتقادات يحق لمن كان أن يعرضها كيفما شاء ومتى شاء؟ أم مصطلح جديد بدأنا نسمعه ألا وهو (التنمر) وبالمفهوم المدرج (التنمر الإلكتروني). هذه القصص ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكن هل نقف متفرجين من بعيد مكتوفي الأيدي أم نشمّر عن سواعدنا ونبدأ بتفهم ما يدور حولنا وننقذ ما يمكن انقاذه بالتوعية والتبصير والتنوير للمجتمع بأكمله لكيلا يكون في بيتنا مدمن لأعراض الناس؟ ما هو التنمر بوجه عام؟ مفهوم كلمة التنمر: هو نوع من أنواع العنف فهو سلوك عدواني غير مرغوب فيه من قبل شخص أو مجموعة تجاه شخص آخر أو جماعة أقل قوة بهدف الضرر، والمُلاحظ ايضًا أنه سلوك متكرر؛ لأن الضحية يكون في موقع الضعف والخوف ولا يستطيع المواجهة أو حتى التصريح بأنه فعلًا يُمارَس عليه تنمر من قبل أشخاص أو شخص واحد ربما يكونون معلومين له أو مجهولين، ونقطة الضعف هذه هي التي سمحت للمتنمر أن يتمادى في سلوكه العدواني. أما لفهم معنى التنمّر الإلكتروني فسنبدأ بفهم معنى الإنترنت وهو عالم كبير بحد ذاته جمع العالم أجمع بضغطة زر صغيرة على لوحة مفاتيح، قد تٌحمَل هذه اللوحة في الجيب أو تُوضَع على سطح مكتبٍ صغير، ومن خلف الشاشة نصل إلى مرادنا بدون رقيب أو حسيب خارجي إلا ما ندر، تاركين الحرية إلى الرقيب الداخلي لتمرير أو حجب ما نشاء. وهو بتعريفٍ تقنيّ: نظم تبادل المعلومات والاتصالات الحديثة التي تربطنا بالعالم الخارجي، وتكون المعلومات فن وأدب أو معلومات وتعارف ومهن أو تسوق وتبادل للخبرات وغيرها، وعلى الطرف الآخر ينظر له البعض -وهنا أقصد المتنمّرين- كمسرح لجريمة يعمل على جذب الضحايا لها لكي يُشبع رغبات غير سوية تتملكه وتسيطر عليه يريد من خلالها الانتقام من أي شيء يصادفه لكي يصل إلى مرحلة النشوة التي تمدُّه -كما يزعَم- بالقوة والفخر. وهنا تكمن المصيبة عندما تلتقط هذه النفس المريضة شخصًا مهزوزًا غير محمي داخليًّا أو خارجيًّا، بغض النظر عن العمر والجنس والعرق والمكانة الاجتماعية -الاقتصادية- أو حتى الفكرية والثقافية. لأن المُتربّص هنا درسَ وتمعّنَ وتَفهّم لنفسيةِ كلِّ من يقع فريسة بين يديه، فهو مخطط بارع ويعرف سلك الطرق بأقل التكاليف وبأسرع النتائج. ونستنبط من ذلك أن التنمّر الإلكتروني هو نتاج سوء استخدام عالم الإنترنت من خلف شاشة ولوحة مفاتيح مستخدميها، وهم أشخاص غير معروفين ولا نستطيع الوصول لهم حتى وإن استخدموا أسماء ومواقع وعلامات فهي مزيّفة لأنهم في الأساس هم لصوص وخفافيش الظلام. لا توجد حدود يقف عندها المتنمر، أو تُمكّن المتنمر عليه من فهم أن هذا تنمر عليه أو استغلال له وإلحاق للأذى به. لأنه قد يُوهم ضحيّته في البداية بأن ما يقوم به هو نوع من أنواع المُزاح بين الأصدقاء أو نوع من أنواع التعارف عندما تكون المحادثات في بدايتها، وللأسف يرى آخرون بأنها وجهة نظر وللمتنمّرين الحق في طرحها على الملأ بدون اعتبار لأي مشاعر إنسانية ستتأذى مما ترى وتسمع. ولسوء الحظ أيضًا أن التنمر الإلكتروني سريع الانتشار كما أسلفتُ... بضغطة زر يرى الشخص أنه قد أصبح بين يدي العالم مما يسبب له الذعر والخوف والانصياع والتبعية المطبقة؛ حتى لا يُفتضَح أمره ويظل تحت رحمة هذا المتنمر، وقد تطول المدة حسب مدى وعي المتنمر عليه. بعد أن أوضحنا معنى التنمّر الإلكتروني سنتطرق هنا إلى مستخدمي الإنترنت ومالهم وما عليهم: فمستخدم الإنترنت -رجل كان أو امرأة، بالغ أو لا- عليه أن يعي حدوده وحدود الآخرين داخل هذا العالم الافتراضي كما يعي الحدود في العالم الحقيقي فكيف نستخدم الإنترنت؟ الكثير من أولياء الأمور -هدانا الله وإيّاهم- يدفعون فلذات أكبادهم إلى عالم الإنترنت لأخذ قسطًا من الراحة، متجاهلين المعاناة التي ستحدث بعد ذلك من تبعات هذه الراحة... كيف؟ عندما نترك أبناءنا بلا حسيب أو رقيب، بلا موجه ولا معلم هكذا بالساعات، ولا نعلم أي شيء سوى أنهم يقضون الوقت! هل تعلم كيف يمضي هذا الوقت ومع من؟ لربما هو في ورطة وسط أيدي شرذمةً من الناس لا يستطيع الخلاص منهم كما أوهموه، ويحتاج إليك أكثر من أي وقت مضى. في السنوات الأولى من دخول الإنترنت كانت لدينا ضوابط مثل: منع الأبناء من الاشتراك كليًّا في خدمة الإنترنت أو تقليل المصروف لسد قيمة الاشتراك. أما الآن أصبح وصولهم للإنترنت أسهل من شربِ الماء... ومن واجبنا أن نجعل هذا الماء هنيئًا مريئًا. ولأن الإنترنت سلاحٌ ذو حدّين كما هو معروف، فعلينا فهم هذه العبارة جيّدًا لأنفسنا اولًا ثم لأبنائنا، كأننا نفعل كما يوجهنا ملَّاح الطائرة عندما يعلمنا إرشادات السلامة فهو يقول ابدأ بنفسك ثم بالشخص الجالس قربك لأنك إذا استطعت ان تحمي نفسك ستحمي الاخرين. دائما ما يقول الآباء لنا لا تذهبوا مع الغرباء ولا تجيبوا على اسئلتهم التي تتطرق لأي شيء شخصي مثل: بيتك وأسرتك، وابتعدوا عنهم وأسرعوا إلينا وأخبرونا إذا حصل ذلك. هذه هي النصيحة الفعلية التي يجب علينا فهمها وتطبيقها جيداً على أرض الإنترنت، فلابد أن ندرك أن أبنائنا خلقوا لجيل غير جيلنا ولا بد أن نوعّيهم ونوضّح لهم الأمور الغائبة عن تفكيرهم ويدركون حجم عواقبها. فعلينا كآباء... إسعاف أبنائنا قبل دخولهم دوامة لا تنتهي إلا بحوادث نفسيّة قد تمتد امتداد العمر، فعلينا توضيح معنى الخصوصية وحدودها، ومعنى التنمّر والتنمّر الإلكتروني والتأكيد عليهم بأننا معهم دائمًا وأبدًا؛ فلا يخشوا من البوح لنا عما يواجهون. ومن المهم ألا نجعل الإنترنت هو عالمهم الوحيد، وأن نساعدهم على تنمية مهاراتهم في التواصل الاجتماعي، ولا بد من محاورتهم بما يُناسب سنّهم فالحوار أوّل الطريق في بناء ثقة لا تُهدم وهو الأسهل لتغليف النصائح دون التنقيص منهم أو دبّ الرعب فيهم. وأخبروهم أن العالم الخارجي ليس بيتهم وإنّما مدرستهم ولا بد ان يفهموه جيدًا، وأننا جميعًا سوف نقف أمام المولى القدير، فليس لأننا مجهولين في الدنيا سنكون كذلك في الآخرة، بل سنُسأل عن كل صغيرة وكبيرة في كتاب لا يظل ربي ولا ينسى. التكنولوجيا نعمة وهبنا إيّاها الرزاق ذو القوة المتين، ولا بد من الامتنان له والشكر؛ فبالشكر تدوم النعم وبالكفر تزول، وللتنمر -إلكترونيًّا كان أو لا- ويلات لا تقتصر على الفرد بل على المجتمع بأكمله، هو وباء وداء تفشى فنسأل الله السلامة. إن لم نقف في وجه التنمّر وكل تصرف سيّء... سنهلك جميعًا، ولن يكون وطننا آمنًا فالذي لم يراعي حق الأخ كيف له أن يراعي حق الجوار؟ وإن لم تأتمن جارك فمن تأتمن؟ / الاخصائية الاجتماعية: عيشه عبدالله ابوالغيث
التعليقات (0)
لم يتم إضافة ردود حتى الآن...