مقالات وتدوينات
(0)

الأذى ليس حرية

1,973 قراءة
0 تعليق
alt
التصنيف مقالات وتدوينات
وقت النشر
2020/09/02
الردود
0

"مغفّل، قبيح، صوتك مؤذي، سمينة، مقرفة، أنفك مضحك، قصي شعرك لأجعله مكنسة يا منكوشة، هل تظن نفسك أجنبي؟ ضعي مكياج على وجهك لسنا مضطرين لرؤية قبحك، يااع كيف تظهر على الشاشة بهذا المنظر؟ المكياج يخفي عيوبك بمهارة، هل لون وجهك طبيعي؟ جريئة، عديم شخصية، أنا أجمل منك حتى عند استيقاظي من النوم، متى آخر مرة اعتنيت بها بنفسك، لأنه على ما يبدو أنك قادم من العصر الحجري؟ جاهلة بالموضة، غدا ستعرف المدرسة حقيقتك، إن لم تدخن هذه السيجارة سأنشر صورتك هذه لجميع طلاب المدرسة، سأفضحك بالحي إن لم تفعل ما أريد..." وغيرها العديد من الكلمات التي قد يتعرض لها الشخص ذكرًا كان أم أنثى وفي مختلف المراحل العمريّة، إلا أن أثره في فترة المراهقة كبيرٌ جدًّا.

التنمّر الإلكتروني سلوك يتم فيه الاعتداء على حريّات الآخرين وخصوصيّاتهم وحياتهم لأهدافٍ مختلفة، وله أوجه عديدة بأبعاد ونتائج مؤذية بشكل كبير. 

يعتمد التنمر الإلكتروني أساسًا على الهاتف المحمول ومنصّات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية لنشر الكره والأذى في المجتمع، ويكون التنمر إما بالانتقادات الجارحة والتعليقات المؤلمة، أو بإرسال رسائل تهديد للضحية المجني عليها، أو نشر الأكاذيب عنها، وكل هذا يحدث إما لإخافة الطرف الآخر أو استفزازه أو تشويه سمعته أو تلبية احتياجات معينة بالإكراه والضغط، والعديد من الأهداف الأخرى.

يختلف التنمر عن المزاح؛ فالمزاح لا يكون على حساب المشاعر أو الشكل أو لفت نظر المجتمع لصفة غير مرغوبة عند الشخص لجعله يمشي مطأطئَ الرأسِ خجلًا، أن يمازحك أحدهم ليضحك معك تختلف تمامًا عن ممازحتك لك ليضحك عليك، ويتجاوز هذا التنمر حدّه ليصبح سلوكًا مكرّرًا ومنتشرًا ويتم التعامل معه على أساس أنه عيبٌ مخجلٌ في الشخص إلى أن يشعر الضحية بالضيق وقد يحاول التصدي لإيقاف هذا التنمر ليجد المتنمرين يتهمونه بالجديّة الزائدة والحساسيّة المفرطة وضعف الشخصية.

وللتنمر آثار عديدة لا تعد ولا تحصى وتختلف من شخصٍ لآخر، قد تكون نفسيّة أو عقليّة أو جسديّة أو سلوكيّة أو كلها معًا، وقد يصل أثر التنمر على الضحية لانقطاع العلاقات الاجتماعية أو ضعف التحصيل الدراسي وترك الأنشطة التي كانت تسعد الشخص سابقًا. 

وتتنوع آثار التنمر الإلكتروني؛ كالقلق وتعاطي المخدرات والسلوكيّات العدوانيّة والعنف الجسدي من قِبَل الأقران والإحباط وقلة الثقة بالنفس، وعدم احترام الذات، وآلام جسديّة ومحاولات لإيذاء النفس، ويعد الاكتئاب والانتحار من أهم آثار التنمر الإلكتروني بين المراهقين، وقد يصل الحال بالضحيّة لضعف الصحة العقليّة وحياة الرفاعيّة واضطراب ما بعد الصدمة، وقد يقوم أيضًا بالهرب من المشكلة والتكتّم عليها وعدم السعي لحلها فتستمر وتتفاقم وتؤدي لنتائج سلبيّاتها مضاعفة عن ذي قبل.

وهنالك بعض العوامل للتنبؤ بالتنمر الإلكتروني لدى الضحايا وعلى إثرها يجب السعي لطلب المساعدة وإيقاف التنمر، ومن هذه العوامل: استياء الضحيّة من جسدها وتذمّرها، قلة الثقة بالنفس واضطرابات النوم والقلق والرهاب الاجتماعي، بل وزيادة الساعات التي يتم قضاؤها باللعب الإلكتروني أو على منصّات التواصل الاجتماعي، بالإضافة لتلبية طلبات الصداقة مع الغرباء، وهنا يكون طلب المساعدة رادعًا للتنمر الإلكتروني على أن يكون الطلب من شخص موثوق بالغ من الوالدين أو الأسرة أو المرشدة الاجتماعية أو التوجّه لأحد المختصّين من خطوط المساعدة الهاتفية في بلدك، ويمكنك أيضًا حظر المتنمّرين على وسائل التواصل الاجتماعي والتبليغ عنهم رسميًّا على المنصة نفسها التي تعرضت للتنمر عليها، وأضف لذلك أنه يمكنك التبليغ عنهم لوحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في بلدك.

آثار التنمر الإلكتروني كبيرة على الضحيّة والمتنمر والمجتمع بأكمله، فهو كسلسلة أحجار صغيرة مترابطة ببعضها البعض، ما تسقط منها واحدة حتى تلحقها الأخرى تلو الأخرى، وله دور في تشكيل نمو العقل والصحة النفسيّة والجسديّة والسلوكيّات لدى الضحايا والمتنمّرين بشكلٍ مختلف، ولتجنُّبه علينا الحرص على الرقابة الأبويّة والدعم النفسي للأبناء مع تكوين علاقة وثيقة من الثقة والاحترام المتبادل سواءً بين الوالدين وابنهم أو المعلم أو الأصدقاء.

أمّا طلب المساعدة والمباشرة لحل المشكلة فهما أمران لا بد منهما لمواجهة التنمر الإلكتروني وتفادي آثاره، فكل واحدٍ منا يستحق أن يُمنح الحرية كاملة في أفعاله وحياته وشكله وتقبّله لذاته وطرق بحثه عن السعادة ما دام ذلك لا يمس حريّات الآخرين أو يؤذيهم بشكل أو بآخر، فالأذى ليس حرية ومواجهته واجب.


نسيبة كامل الدراويش

التعليقات (0)

قم بتسجيل الدخول لتتمكن من إضافة رد