الذكاء الاصطناعي في التعليم
التصنيف | مقالات وتدوينات |
وقت النشر |
2020/09/13
|
الردود |
0
|
شهد العالم في سنواته الأخيرة ثورة مدوِية في مجال الذكاء الاصطناعي، وفي وقتنا الراهن لا يخلو مجال من توظيف تطبيقات "الذكاء الاصطناعي" سواءً في الطب والهندسة والتسليح والتصنيع والاستثمار وعلوم الفضاء والاتصال والتقنية والسينما والفن..، مما يضع على عاتق وزارة التعليم والجامعات معًا مسؤوليات جسيمة لتطوير سياساتها ومناهجها واستراتيجياتها لمواكبة الثورة الاصطناعية الحديثة، والتي كانت بمثابة الشرارة التي أضاءت أمام التربويين مساحات جديدة في البحث عن إثراء ثقافة الذكاء الاصطناعي وتضمينه نظريًّا وتطبيقيًّا في مراحل التعليم المختلفة.
ورغم أننا ندرك جيّدًا أن توفير محتوى إلكتروني متكامل في الجامعات والمدارس بدءًا من الأهداف حتى التقييم عبر العديد من الشبكات والنظم والمنصّات الذكية لا يمثل سوى1% من المنجز التقني الحديث داخل الحقل التربوي، إلا أنّ ثمة بقاعًا أخرى يجب أن تُقتحم وتكون محورًا للدراسة والبحث والتطبيق العملي، لذا تظهر أهميّة وضع "سياسات تعليميّة" جديدة تجعل من الذكاء الاصطناعي اليوم إسلوبًا ضروريًّا لضمان جودة الحياة التعليميّة ومخرجات التعلم، وأن تكون شاملة لرؤية مدارسنا وجامعتنا ورسالتها ومناهجها وطرقها التدريسية وعناصر العملية التعليمية كآفّة.
ومنه يجب وضع مناهج إلكترونيّة تبسّط للطلاب ماهية الذكاء الاصطناعي وأهدافه وما يُثار حوله من مخاوف، وأبعاد تطبيقه واستخداماته في شتّى مجالات العلم والحياة، لتكون جميع الاستراتيجيّات موجّهة نحو تشجيع المتعلمين على حل المشكلات الحالية والمستقبليّة وخلق مشروعات جديدة بالإعتماد على مسلّمات الذكاء الاصطناعي المعرفيّة، داخل وخارج أسوار المدرسة أو الجامعة.
ولعل لقطاع التعليم في بعض الدول النصيب الأقل من موجة التغيير الهائلة التي أحدثتها نظم الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة الماضية؛ وذلك لطبيعة القطاع التعليمي القائمة على العنصر البشري بشكل كبير ــ وبالأخص جانب المتعلمين ــ والتي تحتّم على أصحاب القرار اتباع سياسات تعليمية معيّنة، إلا أنّه على الرغم من ذلك شهدت السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في منصات التعليم الإلكتروني المفتوح التي ساهمت فيها أكبر جامعات العالم مثل برنامجي MIT - Massachusetts Institute of Technology وجامعة اوكسفورد اللذان يوفّران محتوى تعليمي مجّاني بالكامل، ابتداءً بالمحاضرات وحتى الاختبارات.
ووفقًا لمؤسِّسة RoboTerra لتقديم دروس في البرمجة والروبوتات عبر الإنترنت أقرّت بأنّ نسبة الطلّاب الذين يملكون هواتف ذكيّة تصل إلى 80%، إذ يمكن الاستفادة من هذا الواقع لمساعدة الطلّاب في أمورٍ مثل فهم الدروس عبر شروحاتٍ إضافية، وإتمام واجباتهم الدراسية من بُعد وإرسالها إلى المدرّس، ومشاهدة الحصص الدراسية عبر الفيديو.
والذكاء الاصطناعي (الذي يعني قدرة الآلات على التعلّم والاستنتاج وتقديم الخيارات بناءً على ذلك) ليس بعيدًا من دخول مجال التعليم إذ قد يستخدمه المدرّسون لجعل الدروس متوائمة مع شخصية كلّ طالب على حدة؛ حيث تستطيع البرمجيّة التعليميّة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن تحفظ بيانات عن قدرات الطالب الذهنيّة، وسرعة استجابته، وتفضيلاته العلميّة والشخصيّة والثقافيّة، مما يمكّن الآلة من تقديم الدرس وإجراء الامتحانات بحسب هذه القدرات، وذلك يشير إلى أنّ هذه التكنولوجيا لن تستبدل العنصر البشري أبدًا، إذ ستُخصّص لتعليم الطلّاب الدروس النظرية، في حين سيحصل المدرّس على مزيدٍ من الوقت للتواصل مع طلّابه.
إلا أنه يجب ملاحظة أنّ هذه التكنولوجيا لا تزال في مراحل النموّ وتكلفتها مرتفعة، وليس بمقدور جميع المؤسّسات التعليمية تحمّلها في الوقت الحالي؛ لذلك قد يكون الحلّ بمشاركة المؤسّسات التعليميّة مع الشركات الكبرى التي تنتج هذا النوع من التكنولوجيا، للوصول إلى إنتاج حلولٍ تعليميّة مقبولة التكلفة وفي وقتٍ أسرع، ومن جانبٍ آخر رغم أنّ هذه الشركات لديها التكنولوجيا ولديها كثير من البيانات ولديها الحافز لدخول أسواق ومجالات جديدة؛ إلا أنّ دخولهم قد يعني الهيمنة والاحتكار، ففي حين يُقال إنّ الإنترنت هي الأداة الأكثر ديمقراطيّة من حيث الانتشار، فإنّ قطاع الأعمال في هذه الشبكة العالمية تهيمن عليه بضع شركات مثل جوجل وفيسبوك وأمازون وغيرها.
الذكاء الاصطناعي يحطم قواعد التعليم التقليدي
«وداعاً للتعليم التقليدي».. شعار بات على مقربة من التطبيق العملي في عدة دول إذ أجمع أكاديميّون وأساتذة جامعيّون على أن تطبيق استراتيجيّة الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم من شأنه إحداث ثورة تصحيح للمسار التعليمي تحطم معها القوالب التقليدية التي تعتمد على التلقين، وتغيّر وتطور من دور المعلم لتنقله من موقع الموظف إلى موقع الخبير، ويتضح مستقبل العمليّة التعليميّة وفق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بظهور ما يعرف بـ«المعلم الروبوت» الذي سيساعد الطلبة والمعلمين على حدٍّ سواء، في تلقّي المعلومات اللازمة للتعلّم، بجانب ما يمكن أن تغيره هذه التكنولوجيا على صعيد الاختبارات التقييميّة للطلبة في مختلف المجالات الدراسيّة والأكاديميّة.
نظم الاختبارات
من الممكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تغيير نظم الاختبارات العاديّة التي تقوم بتقييم الطلاب بشكل موحّد وفق اختبار واحد، وهو ما يؤدي إلى ظلم الطالب المبدع بشكل كبير، لأن تلك النُظم تركّز بشكل مباشر على إجابات نموذجيّة في اختبارات تقليديّة، وحتى إذا كانت بعض الجامعات تحاول حاليًا تغيير طرق اختباراتها لتتطرق إلى مسألة الابتكار والاعتماد على القدرات والإبداع إلّا أنّ النظرة التقليديّة ما زالت سائدة، وينظر للاختبارات في طريقتها الحالية بأنها أشبه باختبارات الذاكرة، بالإضافة إلى العبء الكبير الذي يقع على عاتق المدرس، والذي يتمثل في تصحيح كم هائل من الاختبارات سنويًّا -خصوصًا إذا كانت هذه الاختبارات على هيئة أسئلة مقالية- لذا يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي أن تقوم بتصحيح جزء كبير من تلك الاختبارات، وذلك عن طريق ترجمة الكلمات ودراسة الأنماط بشكل دقيق جداً.
لذلك يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي أن تملأ الفجوات في الفروقات الفردية بين المتعلمين، كما يمكنها أيضاً أن “تحرر” المدرسين من جزء كبير من مسؤولياتهم، وهو الذي ينعكس إيجابًا على العملية التعليمية والبحثية بذات الوقت، ففي الجامعات مثلًا سيكون هناك فرص أكبر للأساتذة للتركيز على النتاج البحثي وحضور المؤتمرات العلمية، وفي ذات الوقت ستقلل نظم الذكاء الاصطناعي جزء كبير من التكلفة على الجامعات ــ وبالذات الحكومية ــ مما يساهم في زيادة عدد المقاعد داخل الجامعات والمعاهد.
أهم المبادرات الخاصة بالذكاء الاصطناعي في مجال التعليم
(1) تطبيق المفكر الرياضي Thinkster Math: ,هو تطبيق يمزج بين منهج الرياضيات ونمط التعلم الشخصي، ويقوم هذا التطبيق بمراقبة المعالجة العقلية لكل طالب والتي تكشف بالتدريج على شاشة IPad، ويعرض للمستخدم مشكلات مختلفة حسب قدرته، وبمجرد كتابة المستخدم عن طريقة توصّله إلى الإجابة يحلل التطبيق عمله ويحدد لماذا أخطأ أو كيف فهم جزئية محددة في حل المشكلة، ويحسّن هذا التطبيق من المعالجة المنطقية لدى كل الطلاب من خلال تقديم تغذية راجعة فورية وشخصية.
(2) موقع Brainly: وهو موقع تواصل اجتماعي لأسئلة الفصل الدراسي، يسمح البرنامج للمتعلمين طرح أسئلة الواجبات المنزلية وتلقى إجابات تلقائية مدققة من زملائهم ويساعد هذا البرنامج على التعاون للتوصل إلى إجابات صحيحة، و لدى البرنامج مجموعة متنوعة من الخبراء في المواد الدراسيّة يعملون على خلق بيئة شبيهة بالفصول الدراسية.
(3) شركة تقنيات المحتوى Content Technologies, Inc: وهي شركة ذكاء اصطناعي للبحث والتطوير والتصميم التعليمي وإنتاج حلول لتطبيقات المحتوى، تستخدم "التعلّم العميق" deep learning لإنشاء الكتب المدرسية المتخصصة التي تناسب احتياجات المقررات.
ويُدخل المعلمون توصيف المناهج إلى محرك تكنولوجيا المحتوى وبعدها تستخدم مكينات تكنولوجيا المحتوى خوارزميات لإنتاج كتب ومواد دراسية شخصية... استنادًا إلى المفاهيم الأساسية للمناهج، وتسعى هذه المبادرة إلى مساعدة الناشرين على إنشاء كتب مدرسية فعالة تحقق لكل متعلم الحصول على تعلم فردي ذي طابع شخصي.
(4) موقع ميكا Mika –: يوفر هذا الموقع في جامعة "كارنيغي ميلون" الأمريكية أدوات تدريس قائمة على الذكاء الاصطناعي للمتعلمين كثيري الانشغال، والطلاب الذين يفتقدون إلى الإهتمام ذي الطابع الشخصي، وتتخصص ميكا في التدريس لطلاب المرحلة الجامعية لسد الفجوات في الحجرات الدراسية المكتظة بالطلاب ويوجّه التطبيق بواسطة عمليّة التعلم الخاصة بكل طالب وتجعل المتعلم على دراية بما يحرزون من تقدم يومي، وتعدل الدروس وفقا للاحتياج الخاص بكل طالب.
(5) موقعNetex Learning: يتيح هذا الموقع للمعلمين تصميم المنهج عبر عدة أجهزة رقمية ويساعد الموقع حتى أكثر المدربين جهلا بالتقنية على دمج عناصر تفاعلية مثل الصوت والصورة والتقييم الذاتي في تخطيطهم الرقمي للدروس، وكلّ هذا في منصة افتراضية للتعلم ذو الطابع الشخصي.
في هذا الموقع يمكن أن يبتكر المعلمون مواد فيها تخصيص للطالب جاهزة للنشر على أي منصة رقمية أثناء تقديم المؤتمرات عبر الفيديو والمناقشات الرقمية والواجبات ذات الطابع الشخصي والتحليلات التعليمية التي توضح عروضًا مرئية للنمو الشخصي لكل طالب.
عيوب الذكاء الاصطناعي في التعليم
- ليس لديها عاطفة ولا تستجيب كما يعمل المعلم في الفصل.
- يجب أن يكون المتعلم منضبطًا ومتحمّسًا بشكل كاف للتعلم من خلال المعلم أو المدرب الإلكتروني.
- المرشد الحاسوبي لا يضع ضغوطًا كما تعمل المدرسة؛ فهو لا يتصل بولي الأمر إذا لم يحضر الطالب الدروس مثلًا وأشياء من هذا القبيل.
أ/ اماني محمد إمام
التعليقات (0)
لم يتم إضافة ردود حتى الآن...