مقالات وتدوينات
(0)

السم الإلكتروني

1,041 قراءة
1 تعليق
alt
التصنيف مقالات وتدوينات
وقت النشر
2020/09/27
الردود
1

كانت (لوري درو) تعيش مع زوجها وابنتها المراهقة (ساره) في ولاية مازوري بأمريكا، وفي صيف عام 2006 كانت الأم (لوري) قلقة على ابنتها (ساره) من فتاة مراهقة تعيش في آخر الشارع اسمها (ميغان ماير) كانت (ميغان) بحسب اعتقاد (لوري) تنشر الشائعات عن ابنتها وتنقل الكلام الباطل عنها بين زملائها لذلك قررت (لوري) حل الأمر بنفسها فقامت هي وزميلتها بفتح صفحة وهمية بشخصية فتى مراهق على موقع التواصل الاجتماعي ماي سبيس (MySpace) وبدأت بالتقرب من (ميغان) التي كانت تظن أنها تتحدث مع شاب مراهق من نفس الولاية.

كان الأمر في البداية مهمة استخراج معلومات عن الفتاة (ميغان) فيما إذا كانت تنشر الكلام عن ابنتها أم لا؟ لكن الأمر تطور إلى صداقة غريبة مع (ميغان) وبعد جهد طويل من الصداقة الغريبة أدركت (لوري) أنها لن تستطيع استخراج أي معلومة من (ميغان) لأنها بريئة من ذلك الاعتقاد، فهل توقفت عند هذا الحد؟

قامت الأم (لوري) بشتم الفتاة المراهقة علنًا وقالت "سيكون العالم أفضل بدون وجودك فيه يا (ميغان)".

قالت ذلك لأنها لم تكن تطيق تلك الفتاة وما زالت تؤمن باعتقادها القديم بأنها تنقل الشائعات عن ابنتها لكنها توقفت عند ذلك وتركت موقع التواصل.

كانت تلك الجملة هي الشرارة التي اشعلت الفتيل في صفحة (ميغان) لتبدأ تعليقات الكراهية والشتم تمطر عليها فقد كان على حد علم الجميع أن (ميغان) وذلك الفتى أصدقاء وأن ذلك الفتى لم يخطئ بحق أحد قط فما الذي أخرجه عن طوره ليقول مثل هذا الكلام قبل أن يترك صفحته إلى الأبد؟

وفي تلك السنة 2006 انتحرت الفتاة (ميغان) بشنق نفسها في خزانة ملابسها.

الذي لم يعلمه أحد عن (ميغان) هو أنها كانت تعاني من عدة أمراض نفسيّة؛ مما جعلها انطوائية عن من حولها فكانت تعاني من الاحباط وضعف الذات وقلة الثقة بالنفس، وكانت لها سابقة مع الانتحار فقد قالت لأمها سابقًا أنها تود قتل نفسها لكن مع العلاج تحسنت حالتها، وكان موقع التوصل (MySpace) هو نافذتها للعالم الخارجي وكان ذلك الفتى الوهمي الذي أنشأته (لوري) هو صديقها الأقرب في ذلك الوقت.

فبعد أن ابعدتها (لوري) عن الحافة دفعتها مرة أخرى بالانقلاب المفاجئ في شخصية الفتى وتنمر الجميع عليها بلا سبب لتسقط في أعماق البؤس إلى هاوية الانتحار.

تم محاكمة (لوري) في قضية تعتبر الأولى من نوعها فقد كانت (ميغان) أول ضحيا التنمر الإلكتروني المعروفة في المجتمع ولذلك خرجت (لوري) ببراءة بعد أن حكم القضاء بقلة الأدلّة المقدمة.

لندرك أنه في ظل تطور تقنية الإنترنت وربط العالم ببعضه وظهور مواقع التوصل الاجتماعي... هنالك وحش يقبع في سقف هذا التطور ويترصد في الظلام ويتوارى في ظلال الأبرياء ليضرب ضربة بعد الأخرى؛ لا ليُحدث ضرر جسميًا بضحاياه ولكن ضررًا نفسيًّا قد يكون أشد في بعض الحالات مما يجعل الضحايا يقدمون على أذى أنفسهم بل قد يصل الأمر إلى جعلهم يقدمون على أذى الآخرين.

هذا الوحش يسمى بالمتنمر الإلكتروني وهو في العادة شخص جبان يختبئ خلف اسم مستعار وشخصية وهمية؛ ليبث سمومه على غيره.

ولا يشترط أن تكون ضحيته شخصية مشهورة أو بارزة في المجتمع بل يكفيه أن تكون ضحيته قد تضررت من قوله ليستشفي غروره وقلة حيلته في حياته ليلحق الأذى بالأخرين ليكونوا مثل حاله أو أسوء منه.

تلك السموم التي يتم بثها على وسائل التواصل الاجتماعي هي خطر على أصحاب العقول الضعيفة كالفتاة المراهقة (ميغان) التي لم تتغذى من العلم أو الثقة بالنفس فتكون شخصياتهم هشة سهلة المنال لتلك الوحوش.

وتغذية تلك الوحوش بالاستجابة لهم في أي حالة كانت سواءً طلبت منهم التوقف بغضب أو بحزن محاولًا استعطافهم، فذلك أكبر خطأ يقع فيه الضحية فهم يتغذون على تلك الردود فبمجرد علمه بأنه دخل في عقلك واستغل حيّزًا من فراغ حياتك... تملكك وزاد بثّ سمه وزاد هجومه عليك.

للأسف القوانين ليست واضحة في هذا المجال فبعض البلدان ترى بأنّ هذا جزء من حرية الرأي وبعضها قد لا يراها كذلك لكن الطريقة التي تم بها التنمر لا تستوجب العقاب كقول "اقتل نفسك" فهي في الواقع ليست شتيمة بل أمر ويمكن مجادلتها في المحكمة للخروج بالبراءة بكل سهولة مثل غيرها من الأقوال التي قد تكون قابلة للجدل.

لذلك يمكننا القول بأن التنمر الإلكتروني هو الجريمة المحكمة التي تمكن شخصًا يعيش آلاف الكيلومترات أو بضع أمتار أن يؤثر في شخص آخر بتغيير فكره أو تدميره مثل السم تمامًا لكن بلا أدلة أو تجريم على ذلك الفعل.


كيف يمكننا إيقاف مثل هذا السم الخفي؟

  1. عليك ألا تستجيب للمتنمر أبدًا حتى لو كانت أجابتك له بالإيجابية أو محاولة كفه عن هذا التصرف فالتجاهل قد يكون خير صديق لك في مثل هذه الحالات وإن تمادى فخيار الحجب متوفر في جميع تطبيقات الإنترنت حتى الألعاب، قم بحجبه ولا تبالي بما يقول.
  2. حاول ألا تشارك خصوصيّات حياتك مع أي أحد؛ فحياتك ملك لك وليس لأحد حق بالاطلاع عليها واجعل أمورك الخاصة كما هي خاصة لا يتدخل فيها غريب.
  3. إذا وصل الأمر بالشتم أو التهديد بالقتل يمكنك الاتجاه إلى السلطات الأمنية مع تقديم الأدلة اللازمة، تستطيع التخلص من ذلك المتنمر ولا تشعر بالشفقة عليه فإن كان قد تنمر عليك بمثل هذا فقد تنمر على غيرك بالتأكيد، وقد يكون بلاغك للسلطات أمرًا منقذًا لشخصٍ على حافة الانهيار.
  4. تذكر بأن رأي شخص غريب لا يعلم عن حياتك شيء ليس أمرًا مهمًّا، وأن المتطفلين الصعاليك كان وجودهم على الأرض منذ بِدء الخليقة وأنّ العالم لم يتوقف على أراءهم ومعتقداتهم التافهة.

قد لا تكون أنت الضحية لكن هنالك بالتأكيد متنمرون وضحايا حولنا، ففي ألعاب الفيديو وحدها يتعرض 80% من اللاعبين إلى شتائم وتهديدات، وتشكل تلك البيئة السامّة أكبر عدد من الضحايا، قد تكون تلك التهديدات في نظر البعض مجرد طريقة ترهيب وتخويف للفوز باللعبة لكن مالا يدركونه أن هذا هو أصل التنمر وهو "التخويف والترهيب للحصول على المراد".

وهذه الطريقة تعريف لأسس الظلم، فقد تكون لك يا عزيزي القارئ مجرد لعبة لكنها بالنسبة إلى طفل صغير يسبح في خياله شيء آخر عظيم وعالم هو الملك فيه ليأتي فيه ذلك المتنمر ويفسده بسوء خلقه وشناعة فعله وطبعه.

المصيبة في هذا النوع من التنمر أنه قد يصيب أعزّاءنا من دون علمنا، وأنّ الأطفال الصغار والمراهقين هم أغلب ضحاياه وهم في أغلب الاحيان يخافون أو يخجلون من أن يبوحوا بشعورهم بالخوف أو أن يعترفوا بأن شخص ما قد تنمر عليهم؛ لذلك يكون الدور علينا نحن في حمايتهم.


كيف نحمي أخوتنا وأبنائنا؟

  1. يجب علينا قبل كل شيء زرع الثقة بالنفس فيهم، والأمر لا يتوقّف على الكلام وحسب بل يجب علينا تكليفهم بمهام قد تبدو في نظرهم مهمة لنا كـ(نقل أواني قابلة للكسر من مكان إلى آخر) ويختلف التكليف باختلاف العمر؛ ليزرع الثقة في باطن عقولهم أنهم جديرون بالثقة من دون أن يحسوا بذلك، وثقتنا فيهم تعزز من ثقتهم في أنفسهم بشكل أكبر من الحديث معهم عن الثقة بالنفس أو التشجيع.
  2. مراقبة تصرفاتهم فقد تتغير تصرفاتهم مثل فقد الشهية للأكل أو فقد الاهتمام في ألعابهم أو اتجاههم للعزلة بلا سبب وغيرها من التصرفات التي قد تلاحظها، فهي المؤشر الأولي لهم وبذلك نتمكن من حل المشكلة في بدايتها قبل أن يتعمقوا فيها.
  3. المراقبة الأبوية وقد أصبحت أمرًا رئيسيًّا في جميع الأجهزة والمواقع وهي أمرٌ جيد ويمكننا من مراقبة سلوكهم الإلكتروني لكن يجب ألا يبالغ فيها مما يفقدنا العنصر الرئيسي وهو الثقة.
  4. التحدث معهم، فالحديث مع الأبناء أو الأطفال الصغار لن يفقدك مكانتك أو هيبتك كما أن أغلب المشاكل النفسية من الممكن تفاديها بمجرّد محادثة بسيطة، ولا أعني المحادثة بالهاتف بل وجهًا لوجه بشكل عفوي ومنطق هُدَى بدون غضب أو تنفير؛ لنعرف ما تخفيه قلوبهم وما الذي يسيطر على تفكيرهم.

قد تكون الأمور التي ذكرتها بسيطة وسهلة لكن الأغلب لا يفعلها ولا يطبقها لأن أغلب الأسر قد رسخوا القاعدة الساذجة التي أتمنى زوالها (ما دام الطفل صامتًا ولا يبكي فهذا أمر جيد) وهذا غير صحيح فهذا ما قد يقتل حماس الاطفال ويفقد المراهقين خيالهم في عمر مبكّر.

الأمر الأخطر في هذا كله هو أن التنمر قد لا يحدث من شخص بعيد فقد يكون من شخص قريب لك خصوصًا إنْ كان طفلاً أو مراهقًا، قد تتعجب من هذا لأن أطفالك أو أخوتك هادئين وليس فيهم أي من علامات المتنمر الذي يصور على أنه فض ذو أخلاق سيئة يمشي بتبختر مرعبًا لأقرانه.

إن كان هذا هو تصورك عن المتنمر الإلكتروني فهو تصور خاطئ قد يكون كذلك في المتنمر العادي لكن في التنمر الإلكتروني ليس هكذا البتة.

فالمتنمر الإلكتروني قد يكون طفلًا مؤدبًا ومحبوبًا من الجميع لكن بسبب عدم ادراكه وقلة علمه يظن بأن ما يحدث للشخص الذي خلف الشاشة أمر لا يهم بل قد يظن أنها مجرد مزح وطريقة في اللعب، فتجده يكرِّر بعض الألفاظ كـ " يا حمار، أو يا غبي، ويا نووب، وإلخ..." ظنًّا منه بأن هذا جزء من اللعبة غير مدركًا بأن المتلقي في الطرف الآخر هو بشر مثله يحس ويشعر بما يقال له.

لذلك تجب التوعية ليدرك الطفل أو المراهق بأن لكل قول عواقب فكما روي عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "إن العبد ليتكلم بكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات وإنّ العبد ليتكلم بكلمة لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم".


لذلك يجب علينا:

  1. التوعية عن أهمية التحلي بالأخلاق في حياتهم عامة ويشمل ذلك العالم الإلكتروني.
  2. التعامل مع الأمر بحزم وجدية حتى تنزاح فكرة أنها مجرد لعبة.
  3. معرفة سبب تنمره؛ فقد يكون هو نفسه ضحية تنمر.
  4. التحفيز على التحدي لا على ذل الاخرين والتلذذ بذلك.

وإن كان متمردًا فلا يضر معاقبته بأخذ الأجهزة منه لفترة ليهدأ ويحكم عقله فعقول الصغار خصوصًا تستجيب لذلك (الفعل السيء = عقاب).

الأمر قد يكون سهلًا لدى البعض وقد يكون صعبًا لدى آخرين وكل ذلك يعتمد على ما تم ترسيخه مسبقًا لكن تذكر بأن الأمر ليس أمرًا هيّنَا فقد تأذى منه عدد كبير وما زالت الاحصائيات ترتفع للأسف في كل عام وهذا لا يعني أنّ التقنية سيئة بل يعني أننا نستخدمها بسوء.

التعليقات (1)

قم بتسجيل الدخول لتتمكن من إضافة رد