مقالات وتدوينات
(0)

هل سيزداد تطبيق نظام العمل عن بعد مستقبلا؟

916 قراءة
0 تعليق
alt
التصنيف مقالات وتدوينات
وقت النشر
2020/09/28
الردود
0

في ظل الثورة التقنية التي نشهدها عالميًا أصبح الاعتماد على التقنية مطلبًا ضروريًا في مختلف مجالات الأعمال، فاليوم نرى بوضوح كيفية تجاوز حواجز المكان والزمان عبر التقدم في وسائل الاتصالات وتقنية المعلومات والتي أصبحت عنصرًا حاسمًا في التقدم الاقتصادي للدول؛ وبسبب هذه الثورة التقنية التي يسرت التواصل والتفاعل بواسطة شبكات مغلقة عبر الإنترنت استجدت مفاهيم ومصطلحات حديثة في أنظمة التعليم والأعمال وكثر رواجها وترددها على مسامعنا مؤخرًا، خاصة بعد جائحة فيروس كورونا المستجد (Covid19) وتداعياتها على الأعمال والاقتصاد العالمي، ومن هذه المفاهيم مفهوم (التعليم عن بعد) و (العمل عن بعد).



نظام العمل عن بعد

العمل عن بعد أو ما يعرف بالعمل من المنزل عبر الإنترنت هو نظام العمل الذي يكون فيه الموظف غير مٌلزم بالتنقل لمقر العمل كالمكاتب والمنشئات ويقوم بإنجاز الأعمال التي يكلف بها من منزله عبر الإنترنت فمثلًا من الممكن أن يقدم شخص يمتلك الخبرة في مجال معين من تقديم الخدمات الاستشارية في هذا المجال كالمحاسبة والمحاماة وكذلك تقديم خدمات مثل تصميم وصيانة المواقع الالكترونية أو الرد على مكالمات العملاء والقيام بأعمال السكرتارية، فاليوم أصبح الإنترنت يلعب دورًا كبيرًا في التحول للعمل عن بعد وأوجد ما يسمى بالعمل الحر (Free lancer) الذي يلاقي رواجًا كبيرًا مؤخرًا في العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والسويد واليابان.

بدأت فكرة العمل عن بعد تنمو وتنتشر في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من عقدين من الزمن بسبب معاناة الموظفين اليومية في التنقل من المنزل إلى العمل والعكس (Commuting)، وما يصاحب ذلك التنقل من ازدحام في الطرق أو التعرض للحوادث المرورية بسبب التدافع للوصول لمقرات الأعمال في الأوقات المحددة مما يعرض الموظفين للضغوط النفسية، ونتيجة لذلك برز نظام التواصل عن بعد أو ما يسمى ب (Telecommuting) والذي عرف أيضا بالعمل عن بعد (Telework) الذي أضحى أكثر شيوعًا مع التقدم الحاصل في وسائل الاتصال وتقنية المعلومات وتوفر أجهزة الاتصال والحاسب الآلي الحديثة التي ساعدت على انتشار هذا المفهوم في الأعمال التي لا تتطلب التواصل المباشر مع الجمهور أو الالتزام بالعمل في نطاق مكاني محدد كالعاملين في مجالات التسويق أو التأمين. وتطور العمل عن بعد في مجالات تقنية المعلومات لتشمل العاملين في جمع المعلومات وقواعد البيانات.

 اعتمدت العديد من الجهات والشركات الكبرى مثل شركة جوجل (Google) وشركة أمازون (Amazon) أنظمة عمل جديدة غير أنظمة العمل التقليدي (التي تلزم العاملين بساعات عمل محددة) كالعمل عن بعد أو ما يسمى بساعات العمل المرنة              (Flex hours) والتي تسمح للموظفين باختيار ساعات بدء وانتهاء العمل بالتنسيق مع مدراءهم، وكلا النظامين أثبتا جدواهما حسب ما افادت بعض الدراسات البحثية لتميزهما بالعديد من الإيجابيات سواء للعاملين أو للمنشئات وخير دليل على ذلك ما نشهده ويشهده العالم جميعًا خلال أزمه كورونا التي جعلت العمل عن بعد الخيار الأمثل في ظل تطبيق الكثير من الحكومات للعديد من الإجراءات الاحترازية والدعوة للبقاء بالمنزل، وبالتالي قامت العديد من الجهات إلى تبني العمل من المنزل. ومن المتوقع أن نرى قريبًا تطبيق العديد من الجهات الحكومية والخاصة نظام العمل عن بعد بشكل أكبر تدريجيًا وخاصة لبعض الوظائف التي لا يلزم حضور العاملين بها لمقرات العمل، ومن ذلك اعلان شركة تويتر (Twitter) مؤخرًا عن أنه بإمكان موظفيها العاملين من المنزل بسبب جائحة كورونا أن يستمروا بالعمل بهذا النظام حتى بعد انتهاء الجائحة، وكذلك قدمت المساعدة لموظفيها في توفير مكاتب منزلية وكراسي مريحه لهم.

إلا أن التغيير في بيئة العمل ومكانه وتطبيق العمل عن بعد يقتضي تغييرات عدة للعمل بكفاءة وفعالية كما لوكان العمل منتظمًا من مقرات الأعمال، ولنجاح نظام العمل عن بعد هناك عنصرين أساسيين، العنصر الأول يعتمد على المنشئة أو جهة العمل والعنصر الثاني يعتمد على العاملين بنظام العمل عن بعد، حيث يجب أن توفر المنشئة نظام متفق علية بين المدير والموظف لإدارة الأعمال عن بعد وطريقة التواصل وتحديد الأهداف المطلوبة من كل موظف بالإضافة إلى توفير الأدوات والبرامج أو التطبيقات اللازمة لتسهيل العمل من المنزل، ويستحسن تخصيص يوم للاجتماع المرئي لمراجعة سير الأعمال والتواصل مع الموظفين وتشجيعهم للعمل كفريق واحد.

أما ما يتعلق بالعاملين عن بعد فيتوجب عليهم أولًا تخصيص مكان في المنزل هادئ ومريح للعمل، يتوفر فيه الإنترنت ووسائل الاتصالات والأجهزة والبرامج التي تٌمكنهم من انجاز العمل بخصوصية وكفاءة تامّة والحفاظ على الوثائق الخاصة بالعمل وكذلك تخصيص وقت للعمل بعيدا عن الانشغال بالأنشطة الخاصة أو العائلية أو أي أمر آخر. وذلك يتطلب الالتزام والانضباط الذاتي وإدارة الوقت بشكل جيد، وكي يشعر العاملين بالانتماء للجهة التي يعملون بها ولا يشعرون بالانعزال والوحدة يفضل التواصل المرئي مع الموظفين بشكل دوري.

وبالحديث عن أهمية تخصيص العاملين عن بعد لأماكن خاصة بالمنزل مزوّدة بكل ما يحتاجونه من وسائل وأجهزة تواصل عبر الإنترنت فأن بعض الحكومات قامت بسن بعض القوانين لتشجيع نظام العمل عن بعد فمثلًا قامت الحكومة البريطانية بتقديم إعفاءات من الضرائب لأصحاب الأعمال المتبنين لنظام العمل عن بعد، حتى يتمكنوا من دفع المصاريف الإضافية التي يدفعها العاملين لتجهيز أماكن للعمل من المنزل كما أنه يحق للعاملين آباء الأطفال المعاقين أو من لديهم أطفال دون سن السادسة التقدم بطلب ساعات عمل مرنة أو العمل عن بعد، وكذلك الحال في الولايات المتحدة الأمريكية إذ يقوم صاحب العمل بالمشاركة مع العاملين عن بعد في دفع تكاليف العمل من المنزل. 

كذلك يجب ألا نغفل عند تبني نظام العمل عن بعد فأنه ينبغي إعادة النظر في طريقة تقييم الموظفين وتحديد مقاييس تقييم الأداء حيث أنه هنا يعتمد على تحقيق الأهداف أكثر من التركيز على أوقات العمل.

وبالنظر الى إيجابيات العمل عن بعد نجد أنها للطرفين، فهناك إيجابيات لصاحب العمل، فمثلًا أفاد اتباع نظام العمل عن بعد بالحد من الإنفاق على المكاتب والتوسع فيها بشكل كبير مع ملاحظة زيادة الإنتاجية والحد مع انقطاع الموظفين والإجازات المرضية.

أما الفوائد العائدة على العاملين بنظام العمل عن بعد فتشمل الاستقلالية في تنظيم وجدولة وقت العمل والحصول على وقت أطول للأنشطة الخاصة وتمضية وقت أطول مع أفراد العائلة أو تعليم الأطفال ورعايتهم. كما يساهم العمل عن بعد بالتخفيف من ضغوط العمل.

كما أن هناك فوائد للمصلحة العامة للمجتمع وفوائد في المحافظة على البيئة حيث أن العمل عن بعد يساهم بشكل كبير في التقليل من الازدحام المروري والحد من الحوادث والضغوط النفسية التي تسببها الانتقالات من وإلى مقر العمل في أوقات الذروة، إضافة إلى المحافظة على البيئة وتوفير بيئة صحية بخفض نسبة عوادم السيارات والاقتصاد بخفض استهلاك الطاقة.

بينما ظهرت بعض التحديات والسلبيات لتطبيق نظام العمل عن بعد وأبرزها هي مشكلة الحفاظ على الخصوصية، فقد تم رصد العديد من الثغرات التي تم فيها انتهاك الخصوصية والتنصت أو جمع المعلومات عن المنشئات والعاملين عن بعد من بعض التطبيقات المشهورة التي توفر الاتصال المرئي وخدمة الاجتماعات عن بعد. لذا يجب الحذر من هذه الثغرات والعمل على إيجاد تطبيقات آمنة تحافظ على الخصوصية. 

ختامًا أعتقد أن العمل عن بعد الذي طبقته العديد من الجهات في العالم بسبب الاحتياطات والإجراءات الاحترازية للحد من تفشي فيروس كورونا، كان اختبارًا حقيقيًّا لمعرفة التحديات ومعرفة نقاط القوة والضعف لجاهزية هذه الجهات للعمل عن بعد مستقبلًا. ومن المؤكد أن نظام العمل عن بعد سيزداد توهجًا وتطبيقًا في العديد من الأعمال وخاصة بعد أن تم تجربته وثبت نجاحه خلال هذه الأزمة.   

                                                                      المهندس/ عـبدالله الدعـيجي



التعليقات (0)

قم بتسجيل الدخول لتتمكن من إضافة رد