مقالات وتدوينات
(0)

انترنت الأشياء

760 قراءة
0 تعليق
alt
التصنيف مقالات وتدوينات
وقت النشر
2020/10/10
الردود
0


ضع نفسك عزيزي القارئ معي في هذا السيناريو البسيط

شقتك الحالية ضاقت عليكَ قليلًا وتريد تجديدها بشقة أوسع، تنزل من بيتك لتلقي تحية الصباح على جارك، فيبادلك التحية ثم يدخل تطبيقًا على جواله ليضع لك تصنيفًا ممتازًا، تمامًا كما نفعل اليوم عندما تعجبنا خدمة مصرفية أو فندقية أو غيرها.

حصلت على نجومك الخمسة لأنك لطيف مع الجار، تمر على مقهى قريب، تبتسم للنادل وتصطف في طابور الانتظار بكل تحضّر، تأخذ قهوتك مع تصنيف خمسة نجوم لأنك كنت ملتزمًا بكل القوانين الأخلاقية والإلزامية، وتمضي للمكتب بسيارتك دون أن ترتكب مخالفة واحدة، فتكسب تصنيفًا جديدًا برتبة ممتاز.

تصل مكتب التأجير لتجدني بانتظارك، تطلب شقة واسعة فتجدني وقبل مناقشتك في التفاصيل، أدخل لملفك الشخصي على حاسوبي، لأجد أنك تحصّلت على نقاط جيدة في كافة مناحي حياتك، في المقهى والشارع والعمل والدوائر الحكومية، ملف جيد تستحق بسببه أن نفتح موضوع الشقة معك، لديك "نقاط" كافية لتحصل على طلبك، ولو كان ملفك الشخصي مليء بالتقييمات السلبية، سنعتذر منك، لا يوجد شقق للإيجار في هذه المدينة.

أهلًا بك في "انترنت الأشياء".



ما هو انترنت الأشياء؟

طالما تقرأ كلامي الآن فأنت تعرف الأنترنت، أما الأشياء فهي ببساطة كل شيء حولك، ابتداءً بأجهزة منزلك كافة مرورًا بكل ما تشاهده في الطريق من سيارات وحيوانات وأعمدة إنارة ومحطات وقود، انتهاءً بأكبر الآلات وبكَ أنت، أنت من ضمن الأشياء كذلك.

لنعبر حاجز الفذلكات اللغوية لنقول إن أنترنت الأشياء هو تقنية تتيح لكافة الأجهزة/الأشياء أن تتصل ببعضها عبر الأنترنت وترسل/تستقبل البيانات فيما بينها لتتوصل إلى قرارات، وبدون وجود وسيط بشري، حديث آلة إلى آلة ".M2M "

فلو جعلناك تملك ثلاجة ذكية متصلة بالأنترنت، ستستشعر هذه الثلاجة نقص مياه الشرب فيها، فترسل تنبيهًا لجوالك المتصل بالأنترنت لتقول له: نفذت المياه، أو لنتطرف أكثر في المثال، سترسل التنبيه للماركت القريب وليس لك، لتأمره بإرسال دفعة مياه لبيتك، وأنت مهتمك فقط التأكيد على فاتورة الدفع عبر جوالك.

ولو خرجتَ من بيتك ونسيت إضاءتك بوضع التشغيل، سيستشعر المصباح أن المنزل فارغ، فيأخذ قرارًا بالانطفاء لحين عودتك، ومثله سيفعل التلفاز والمكيف وكافة الاجهزة الأخرى.

في السيارة الذكية تلمح ضوء الطوارئ ينير، لا داعي للقلق، السيارة مصممة لترسل تقريرًا عن الخلل الحاصل إلى وكالة الصيانة، مركز معالجة الطوارئ في الوكالة سيفهم الخلل ويتواصل معك ليرشدك لأقرب محطة صيانة.

يبدو عالمًا مثاليًا أليس كذلك؟



كيف يحصل ذلك؟

كل أجهزتك ستحتوي على مستشعرات ومعالجات مدمجة لتبرمج الأوامر وتنفذها، فالضوء الذي انطفأ حين خرجت استشعر عدم وجود حركة في المنزل فأرسل البيانات وبعدها اتخذ القرار، التلفاز استشعر غياب الضوء ففهم أنك في الخارج فانطفأ وهكذا.

وبهذا حصلت على أول العناصر المطلوبة، بيانات سنرسلها.

لمن نرسلها؟ لخوادم سحابية تجمع هذه البيانات وتحللها وتعيد إرسالها، ويتم هذا الإرسال عبر طرق متعددة منها الأنترنت أو شبكات "واي فاي" أو الإيثرنت وهو اتصال فيزيائي يقوم بنقل رسائل المعطيات بين محطات العمل، وطرق أخرى كثيرة لا مجال للتوغل في تفاصيلها.

الآن بعد وصول البيانات للخوادم السحابية ومعالجتها، تعود البيانات المُعالَجة مجددًا للأجهزة التي ستنفذ الأوامر عبر معالجات مدمجة داخل هذه الأجهزة، أو لتطبيقات على جوالك، وربما لمكتب تأجير الشقق الذي بدأنا به المقال.

إذًا: بيانات تجمعها الأجهزة بواسطة المستشعرات، ترسلها لخوادم تُعالج البيانات، وتعود على شكل معلومات / قرارت قابلة للتنفيذ.



اقتصاد انترنت الأشياء

قد تظن أننا بعيدون عن هكذا عالم، لكن مهلًا، الإنفاق على هذه التقنية سيبلغ بين عامي 2020 و2025 حوالي 15 تريليون دولار، مع أكثر من 70 مليار جهاز نشط في عالم انترنت الأشياء.

فقط في العام الماضي بلغ إنفاق المستهلكين لمنتجات هذه التقنية حوالي 700 مليار دولار ويُتوقع وصول الرقم لـ3 تريليون دولار هذا العام، بينما الشركات قد صرفت حوالي تريليون دولار للحصول على منتجات هذه التقنية.

فكّر في الطاقة مثلًا، كمية التوفير التي ستعود على اقتصادات الدول بسبب الإضاءة الذكية، فحين نتحدث عن 15% من التوفير في قطاع الطاقة فهذا رقم كبير يستحق التوقف عنده.

في المياه التي سيتم توجيهها فقط للنباتات المحتاجة للري وليس لكل الحديقة أو الأرض الزراعية، وبالتالي توفيرًا للمياه وتكاليف الزراعة عمومًا قد يصل حد الـ30% 

في اليد العاملة التي ستفقد بعض وظائفها لا شك، لكن ستُخلق في المقابل وظائف جديدة ضمن هذا الحقل قادرة على ردم فجوة البطالة الناشئة عن هذه التقنية.

ومع دمج هذه التقنية مع الذكاء الصناعي، ستغدو إنتاجية الصناعات كافة أكثر كفاءة، فالبيانات اللحظية ستجعل اختناق سلاسل التوريد أمر عديم الاحتمال، العمليات الإنتاجية أكثر دقة وإدارة التخزين قادرة على إيجاد المزيج المناسب الذي يضمن التدفق السلس للمنتج إلى الأسواق بدون كساد ولا تراكم.



ماذا عن الخصوصية والأمان؟

من أكبر تحديات هذه التقنية، وجود آلات "تتحدث" للغرباء وفي كافة أرجاء منزلك وترسل كل كلمة تقال وكل أمر يُنفّذ، هذا سيجعلك عرضة لأن تكون مكشوفًا تمامًا لشركات البيانات وربما للمخترقين للخصوصيات، إلى الآن لا يوجد تقنية تشفير كافية لطمأنة المقبلين على هذه التقنية، ولا يزال التحدي الأبزر بطبيعة الحال.

هل ستكون بياناتك في أمان؟ إذا كنتَ في تقنيات اليوم مثل "فيسبوك" مفهومًا لشركات التسويق لمجرد أن تقوم بعشرة لايكات لمنشورات أعجبتك ويتم استخدام بياناتك للتأثير على رأيك السياسي في حملات انتخابية كما حدث في فضيحة "كامبريدج اناليتكا " ، كم ستغدو سهلًا ويسهل استهدافك تسويقيًا إذا كانت كل بياناتك اليومية تعبر الأثير لجيوب شركات البيانات؟

هل ستملك كامل حريتك وأنت المُراقب من أهل بيتك ومن مديرك في العمل ومن السلطة السياسية في بلدك ومن كل أصدقائك وأقربائك ؟ 

الجواب سنعرفه حينما نبحر في هذه التقنية بشكل عملي ربما.

للتقنية وجهان دومًا.



وسام يحيى باكير



التعليقات (0)

قم بتسجيل الدخول لتتمكن من إضافة رد